إعادة التوطين والانتظار الطويل في مراكز عبور رواندا

تعكس رحلة إرشاد من ليبيا إلى رواندا التحديات التي يواجهها اللاجئون الذين ينتظرون إعادة توطينهم في دولة أخرى. وبعد أن نقلته مفوضية اللاجئين، طال بقاؤه في مركز عبور “غاشورا”، على أمل إعادة توطينه في بلد ثالث. وبينما تبحث الدول الأوروبية عن مصادر خارجية للجوء، تثير تجربة إرشاد تساؤلات حول رواندا كمكان مؤقت للاجئين.

“لا تقلقوا، سأجدكم”، طمأننا إرشاد عبر الهاتف عندما خرجنا من السيارة الصغيرة على مفترق الطرق الرئيسي في بلدة غاشورا الصغيرة الواقعة على بعد 40 كيلومترًا جنوب شرق كيغالي، رواندا. وسرعان ما لوح لنا بيده أثناء سيرنا على الطريق الإسفلتي الوحيد في المدينة. وقال “إنكم محظوظون لأنكم وصلتم بعد بناء هذ الطريق. فأصبحت الرحلة أقل وعورة”.

إرشاد هو واحد من 600 لاجئ في مركز عبور غاشورا، الذي أنشأته مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ضمن آلية العبور الطارئة (ETM)، وهو برنامج تجريبي دولي لإجلاء اللاجئين المعرضين للخطر من مراكز الاحتجاز في ليبيا.

وكانت تكلفة رصف الطريق الرئيسي للقرية مغطاة من التعويض المتفق عليه بين مفوضية اللاجئين وحكومة رواندا كجزء من حزمة التنمية المحلية لإقامة المركز في واحدة من أكثر المناطق تضرراً بالإبادة الجماعية قبل 30 عاما.

يقودنا إرشاد عبر البوابات الرئيسية للمركز إلى أحد المقاهي المكونة من طابق واحد المطلة على الطريق. سرعان ما علمنا أن هذا هو المكان الوحيد في غاشورا حيث يشعر طالبو اللجوء في المركز بالراحة للجلوس والتسكع. جدران زرقاء فيروزية وكراسي من القش. على عكس الحانات الأخرى على الطريق المبني حديثا، لا يقدم هذا المكان البيرة. “والطباخ إريتري”، يبتسم إرشاد، ملمحا إلى أن الطعام أفضل مذاقا من أي مكان آخر في القرية الصغيرة.

في تموز/يوليو الماضي، علّق رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر السياسة المثيرة للجدل التي هددت بنقل أي شخص يصل إلى المملكة المتحدة على متن قارب صغير عبر المانش، إلى رواندا. وكانت هذه الخطة غير قانونية، حسبما توصلت إليه محكمة بريطانية شددت على أن رواندا غير آمنة لطالبي اللجوء بسبب مخاطر إعادة هؤلاء الأشخاص بشكل قسري وغير قانوني إلى بلدانهم الأصلية.

وعلى الرغم من فشل الصفقة بين المملكة المتحدة ورواندا، لا تزال العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تفكر في الاستعانة بمصادر خارجية وإرسال اللاجئين إلى دولة ثالثة. فإيطاليا على سبيل المثال توصلت إلى اتفاق مع ألبانيا يقضي ببناء مركزين لاحتجاز المهاجرين الذين تنقذهم السلطات في البحر ريثما تعالج طلبات لجوئهم. ولطالما أثنت الدنمارك على خطة المملكة المتحدة لنقل اللجوء إلى رواندا، وهو الاقتراح الذي لاقى إعجابا في ألمانيا بعد فوز اليمين المتطرف في الانتخابات المحلية.

لكن في المقابل، تهدف برامج إعادة التوطين على توفير الحماية الدائمة للاجئين في دول ثالثة. لفهم هذه الديناميكيات بشكل أفضل، سافرنا إلى رواندا للتحدث مع طالبي اللجوء حول تجاربهم. وهكذا التقينا بإرشاد

الهروب من ليبيا

وصل إرشاد، الذي ينحدر من دارفور، إلى ليبيا في عام 2018 لعبور البحر الأبيض المتوسط ​​مع شقيقه الأكبر. يقول إرشاد ​​”انفصلنا بمجرد محاولتنا الصعود إلى القارب. تمكن أخي من الوصول إلى إيطاليا في محاولته الأولى، لكن خفر السواحل الليبي أوقف القارب الذي كنت على متنه”.

حاول عبور البحر سبع مرات أخرى، لكنه لم ينجح في العبور، لاسيما بسبب اعتراض خفر السواحل الليبي للقوارب وإعادتها إلى ليبيا قبل وصولها إلى المياه الدولية، مما يمنع إنقاذ طالبي اللجوء (من قبل سفن المنظمات غير الحكومية مثلا) والوصول إلى أوروبا.

وبعد كل عملية اعتراض وعودة قسرية يتعرض المهاجرون للسجن في مركز احتجاز ليبي. يوضح إرشاد أنه “لا يمكنك مغادرة السجن إلا إذا دفعت المال. وإذا لم تتمكن من الدفع، فإنهم يجبرونك على العمل. وعليك أن تحاول البقاء على قيد الحياة حتى يدفع شخص ما أو يطلقوا سراحك”، في إشارة إلى الميليشيات التي تدير السجون.

وبينما نكمل حديثنا، ينضم المزيد من الناس إلى المحادثة، ومعظمهم أصدقاء إرشاد من إريتريا والصومال والسودان، التقوا جميعهم في غاشورا. وفيما جلبوا الكراسي من غرف أخرى جلسوا حول بعضهم البعض للمشاركة في الحديث. تتقاطع قصصهم مع ما تعرض له إرشاد في ليبيا. ويُظهِر البعض الندوب التي أصيبوا بها نتيجة التعذيب الذي تعرضوا له أثناء الاحتجاز، علامات على أذرعهم وأرجلهم وظهورهم.

الأمم المتحدة من جهتها، أنشأت آلية العبور الطارئ في محاولة لكسر حلقة الصعود إلى السفن والاعتراض والسجن التي يعيشها الآلاف من طالبي اللجوء في ليبيا. يقول ارشاد إنه كان مسرورا بداية لنقله إلى رواندا في عام 2022، “وافقت على برنامج الأمم المتحدة لأن أي شيء أفضل من البقاء في ليبيا. لكنني لم أكن أعلم أنني سأبقى عالقا هنا لسنوات”.

 

عالقون في رواندا

على الرغم من أن ترك جحيم الاحتجاز في ليبيا قد يحمل معه بعض الارتياح، إلا أن إعادة التوطين المؤقتة في رواندا قد تتحول إلى سجن جديد. يقول ر.س، وهو موظف لدى منظمة غير حكومية دولية تحول الأشخاص في ليبيا إلى آلية إعادة التوطين المؤقتة: “نظريا، لا ينبغي للأشخاص البقاء في رواندا لأكثر من ستة أشهر. فالأشخاص المستفيدون من آلية إعادة التوطين المؤقتة هم الأشخاص الأكثر ضعفا في ليبيا وعلى الأرجح أن يتم الاعتراف بهم كلاجئين ويكونوا مؤهلين لإعادة التوطين في الولايات المتحدة أو كندا أو أوروبا”.

ومع ذلك، فإن مغادرة رواندا إلى بلد ثالث آمن يعتمد في النهاية على قبول تلك البلدان لملفات طالبي اللجوء. إذا تم رفض الطلب، لأي سبب من الأسباب، يتعين على المتقدمين بدء العملية مرة أخرى وتقديم طلب لجوء إلى بلد آخر، وهي عملية تستغرق أشهر.

يوافق ر.س على التحدث إلينا دون الكشف عن هويته، ويتخوف من التلاعب بكلماته في وصف تفاصيل الفروق في آلية إعادة التوطين المؤقتة. “لا شك أن النقل إلى رواندا أفضل من الاحتجاز في ليبيا. لكن آلية العبور الطارئة ليست حلا. إنها وسيلة لمحاولة معالجة الوضع الدرامي الخاص في ليبيا. وهي ليست نموذجا يمكن أن تتخذه الدول الأوروبية الراغبة في الاستعانة بمصادر خارجية [أي لنقل اللاجئين إلى دول ثالثة]”.

تهدف آلية العبور الطارئة إلى معالجة الظروف الطارئة للأشخاص الأكثر ضعفا في مراكز الاحتجاز في ليبيا، وتوفير مكان آمن مؤقت في رواندا بينما يتم تأمين إعادة توطين أكثر استقرارا في بلد آخر. كما أن مركز العبور في غاشورا لا يمكنه استيعاب سوى 600 شخص. وبالتالي لكي يستوعب وافدين جدد من ليبيا، يجب إعادة توطين أولئك الموجودين بالفعل في غاشورا أولاً في بلدان أخرى.

بعد وصوله إلى غاشورا، كان إرشاد يأمل أن تكون مغادرة رواندا مجرد مسألة وقت. يقول إن لديه “أصدقاء تم قبولهم في فرنسا والولايات المتحدة. أختي في تورنتو (كندا)، وقد وصلت إلى هناك من خلال آلية العبور الطارئة العام الماضي”. ويوضح شاب إريتري يجلس بجوار إرشاد أنه من المقرر أن يغادر غاشورا اليوم، بعدما وافقت فرنسا على طلب لجوئه. “نحن لا نعرف حقا المعايير التي يتم بموجبها قبول أو رفض طلباتنا. ولكن بمجرد أن يتمكن الناس من مغادرة رواندا، يصل آخرون من ليبيا”.

لكن إرشاد لم يحالفه الحظ لمغادرة رواندا، وتلقى منذ بضعة أشهر رفضا من كندا للانضمام إلى أخته، دون أن يعرف سبب ذلك ودون أية طريقة للاستئناف على القرار. “ليس لدي أي فكرة عن سبب رفض طلبي. سيتعين علي تقديم طلب جديد في مكان آخر، وقد يستغرق الأمر سنوات”. يقول إن هناك طالبي لجوء كانوا في غاشورا منذ افتتاح مركز العبور في عام 2019. ويستمر رفض طلباتهم في كل مرة، وليس لديهم خيار آخر سوى الانتظار ومواصلة تقديم الطلبات. “إنهم يعيشون في طي النسيان”.

آليات العبور والاستعانة بمصادر خارجية من دول ثالثة

على الرغم من فشل الصفقة بين المملكة المتحدة ورواندا ووجود آلية العبور الطارئة، فإن العديد من دول الاتحاد الأوروبي تنظر إلى رواندا كموقع مرغوب فيه يمكن نقل طالبي اللجوء إليه.

نظام كاغامي الحاكم ورغم تعرضه لمراقبة دولية بسبب قمعه العنيف للمعارضة السياسية وحرية الصحافة، نجح في تقديم رواندا كملاذ آمن للاجئين، مستفيدًا من المصالحة في رواندا بعد الإبادة الجماعية، والتنمية الاقتصادية غير المسبوقة في المنطقة، ووجود حوالي 80 ألف لاجئ من جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي المجاورة.

عندما قدمت مفوضية اللاجئين أدلة للمحاكم البريطانية على أن نظام اللجوء في رواندا غير مناسب لاستضافة اللاجئين، ردت حكومة كاغامي باتهام المفوضية بـ”النفاق”، وأنها تنتقد رواندا في الخارج ولكنها عقدت شراكة مع كيغالي لنقل اللاجئين من ليبيا.

 

في أيار/مايو من هذا العام، وقع وزراء داخلية 15 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي على رسالة موجهة إلى مفوضة الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي آنذاك إيلفا يوهانسون، وصفوا فيها الاستعانة بمصادر خارجية لتأمين اللجوء في “دول ثالثة آمنة” بمثابة حل لمعالجة الهجرة غير النظامية. كما اعتبروا أن “ترتيبات الأمان وآليات العبور” مثل آلية العبور في حالات الطوارئ كنماذج محتملة لـ”حلول مستدامة”.

“عدم اليقين بشأن وضعك.. كيف نضمن عدم إعادتنا للسودان؟”

لكن هذا يتناقض بشكل واضح آلية العبور الطارئ التي من المفترض أن تكون مؤقتة في رواندا، حيث يبقى طالبي اللجوء في البلد ريثما يحصل على موافقة لإعادة توطين في بلد آخر. وفي حين تقدم رواندا خيار الإقامة الدائمة، لم يوافق على ذلك أي من الـ2000 شخص من الذين كانوا من ضمن هذا البرنامج.

يقول إرشاد وهو يشير إلى مجموعة الشباب الذين انضموا إلى محادثتنا إن “لا أحد يريد البقاء في رواندا”. ويتابع مؤكدا أن السبب “ليس لأن رواندا غير آمنة”، بل هي “آمنة للغاية في حال لم يتسبب الفرد في مشاكل. لكن المأزق يكمن في عدم اليقين بشأن وضعك ومدة استمراره. ما هي الضمانات التي لدينا بعدم إعادتنا إلى السودان؟”

وهناك عائق كبير يتعلق بمستقبل طالبي اللجوء في رواندا، ويقول إرشاد إنه ​​”لا يوجد عمل للاجئين في رواندا. هذه حقيقة”.

ولا يُسمح لطالبي اللجوء في مخيم غاشورا بالعمل، على الرغم من أن العديد منهم يسافرون إلى المدن القريبة ويحاولون تأمين مال إضافي، يتساءل إرشاد ​​”هل تعلم كم أحصل مقابل يوم عمل في كيغالي؟ 2000 فرنك رواندي [حوالي 1,5 دولار أمريكي]. علبة السجائر هنا تكلف 1500 فرنك رواندي. كيف يمكنك البقاء على قيد الحياة بهذه الطريقة؟”.

“أنا ممتن لأنني تمكنت من مغادرة ليبيا. لكن إحضار اللاجئين إلى رواندا من أوروبا فكرة سيئة للغاية. يكافح الروانديون المحليون للعثور على عمل، فكيف يتوقع أي شخص من اللاجئين الذين لا يعرفون البلاد ولا يتحدثون لغتها ونجوا من ليبيا أن يعمل؟”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *